الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)
.نهوض الناصر صاحب دمشق من بني أيوب إلى مصر وولاية الأشرف موسى مكان أيبك. كان الملك الصالح أيوب قبل موته قد استخلف جمال الدين بن يغمور على دمشق مكان ابن مطروح وأمراء الدولة الأيوبية بها متوافرون فلما بلغهم استبداد الترك بمصر وولاية أيبك وبيعه المغيث بالكرك أمعنوا النظر في تلافي أمورهم وكبراء بني أيوب يومئذ بالشام الناصر يوسف بن العزيز محمد بن الظاهر غازي بن صلاح الدين حلب وحمص وما إليها فاستدعوه وبايعوا له بدمشق وأغروه بطلب مصر واتصل الخبر للترك في مصر فاعتزموا على أن ينصبوا بعض بني أيوب فيكفوا به ألسنة النكير عنهم فبايعوا لموسى الذي كان أبوه يوسف صاحب اليمن وهو يوسف أطسز بن المسعود بن الكامل وهو يومئذ ابن ست سنين ولقبوه الأشرف وتزحزح له أيبك عن كرسي السلطان إلى رتبة الأتابكية واستمر الناصر على غلوائه في النهوض إلى مصر واستدعى ملوك الشام من بني أيوب فأقبل إليه موسى الأشرف الذي كان صاحب حمص وإسمعيل الصالح بن العادل صاحب بعلبك والمعظم تورانشاه بن صلاح الدين وأخوه نصر الدين وابنا داود الناصر صاحب الكرك وهما الأمجد حسن والظاهر شادي وارتحل من دمشق سنة ثمان وأربعين وفي مقدمته أتابكه لؤلؤ الأرمني وبلغ الخبر إلى مصر فاضطرب الأمر ونادوا بشعار الخلافة والدعاء للمستعصم وجددوا البيعة على ذلك للأشرف وجهزوا العساكر وخرجوا للقائهم وسار في المقدمة أقطاي الجامدار وجمهور البحرية وتبعهم أيبك ساقة في العساكر والتقى الجمعان بالعباسية فانكشف عسكر مصر أولا وتبعهم أهل الشام وثبت المعز في القلب ودارت عليه رحى الحرب وهرب إليه جماعة من عسكر الناصر فيهم أمراء العزيزية مثل جمال الدين لا يدعون وشمس الدين أتسز اليرلي وشمس الدين أتسز الحسامي غضبوا من رياسة لؤلؤ عليهم فهربوا وبقي لؤلؤ في المعركة صامدا ثم حمل المعز على الناصر وأصحابه فانهزموا وانفض عسكرهم وجيء بلؤلؤ الأتابكي أسيرا فقتله صبرا وبأمراء بني أيوب فحبسهم ورجع أيبك من الوقعة فوجد عساكر الناصر مجتمعين بالعباسية يظنون الغلب لهم فعدل إلى بلبيس ثم إلى القلعة ورجعت عساكر الشام من أتباع المنهزمين لما شعروا بهزيمة صاحبهم فلحقوا بالناصر بدمشق ودخل أيبك إلى القاهرة وحبس بني أيوب بالقلعة ثم قتل منهم إسمعيل الصالح ووزيره ابن يغمور الذي كان معتقلا من قبل ولما وصل الناصر إلى دمشق أزاح علل عساكره وعجل الكرة إلى مصر ونزل غزة سنة خمسين وبرزت عساكر مصر للقائه فتوافقوا مليا ثم وصل نجم الدين البادر إلى رسول المستعصم فأصلح بين الطائفتين على أن يكون القدس والساحل إلى نابلس للمعز والتخم بين المملكتين نهر الأردن وانعقد الأمر علىذلك ورجع كل إلى بلده وأخرج المعز عن أمراء بني أيوب الذين حبسهم يوم الوقعة والله سبحانه وتعالى أعلم..واقعة العرب بالصعيد مع أقطاي. لما شغل الصالح بالإفرنج وما بعدهم عظم فساد العرب بالصعيد واجتمعوا على الشريف خضر الدين أبي ثعلب بن نجم الدين عمر بن فخر الدين إسمعيل بن حصن الدين ثعلب الجعفري من ولد جعفر بن أبي طالب الذين أجازوا من الحجاز لما غلبهم بنو عمهم بنواحي المدينة في الحروب التي كانت بينهم واطاعه أعراب الصعيد كافة ولم يقدر على كفهم عن الراية واتصل ذلك وهلك الصالح واستبد الترك بمصر وشغلوا عنهم بما كان من مطالبة بني أيوب لهم فلما فرغ المعز أيبك من أمر الناصر وعقد الصلح معه بعث لحربهم فارس الدين أقطاي وعز الدين أيبك الأفرم أمير البحرية فساروا إليهم ولقوهم بنواحي أخميم فهزموهم وفر الشريف ناجيا بنفسه ثم قبض عليه بعد ذلك وقتل ورجعت العساكر إلى القاهرة والله تعالى أعلم..مقتل اقطاي الجامدار وفرار البحرية إلى الناصر ورجوع أيبك إلى كرسيه. كان اقطاي الجامدار من أمراء البحرية وعظمائهم ويلقب فارس الدين وكان رديفا للمعز أيبك في سلطانه وأتابكه وكان يغض من عنانه عن الطموح إلى الكرسي وكان يخفض من جناحه للبحرية يتألفهم بذلك فيميلون له عن أيبك فاعتز في الدولة واستفحل أمره وأخذ من المعز الإسكندرية اقطاعا وتصرف في بيت المال وبعث فخر الدين محمد بن الناصر بهاء الدين بن حياء إلى المظفر صاحب حماة في خطبة ابنته فتزوجها وأطلق يده في العطاء والإقطاع فعم الناس وكثر تابعه وغص به المعز أيبك وأجمع قتله فاستدعاه بعض الأيام للقصر للشورى سنة اثنتين وخمسين وقد اكمن له ثلاثة من مواليه في ممره بقاعة الأعمدة وهم قطز وبهادل وسنجر فوثبوا عليه عند مروره بهم وبادروا بالسيوف وقتلوه لحينه واتصلت الهيعة بالبحرية فركبوا وطافوا بالقلعة فرمى إليهم برأسه فانفضوا واستراب أمراؤهم فاجتمع ركن الدين بيبرس البندقداري وسيف الدين قلاون الصالحي وسيف الدين سنقر الأشقر وبدر الدين بنسر الشمسي وسيف الدين بلبان الرشيدي وسيف الدين تنكر وأخوه سيف الدين موافق ولحقوا بالشام فيمن انضم إليهم من البحرية واختفى من تخلف منهم واستصفيت أموالهم وذخائرهم وارتجع ما أخذه اقطاي من بيت المال ورد ثغر الإسكندرية إلى أعمال السلطان وانفرد المعز أيبك بتدبير الدولة وخلع موسى الأشرف وقطع خطبته وخطب لنفسه وتزوج شجرة الدر زوجة الصالح التي كانوا ملكوها من قبل واستخلص علاء الدين أيدغدي العزيزي وجماعة العزيزية وأقطعه دمياط ولما وصل البحرية وأمراؤهم إلى غزة كاتبوا الناصر يستأذنونه في القدوم وساروا إليه فاحتفل في مبرتهم وأغروه بملك مصر فأجابهم وجهز العساكر وكتب المعز فيهم إلى الناصر وطلبوا منه القدس والبلاد الساحلية فاقطعها لهم ثم سار الناصر إلى الغور وبرز إلى القاهرة في العزيزية ومن إليهم ونزل العباسية وتوافق الفريقان مدة ثم اصطلحوا ورجع كل إلى بلده سنة أربع وخمسين وبعث أيبك روسله إلى المستعصم بطاعته وطلب الألوية والتقليد ولما رجع إلى مصر قبض على علاء الدين أيدغدي لإسترابته به وأعاد دمياط إلى أعمال السلطان واتصلت أحواله إلى أن هلك في الدولة والله تعالى أعلم.
|